بولندا: قانون جديد لتعليق اللجوء مؤقتا يدخل حيز التنفيذ

وقّع الرئيس البولندي أندريه دودا نهاية آذار/ مارس قانونا جديدا للجوء، ويسمح مشروع القانون لبولندا بتعليق الحق في اللجوء مؤقتا، كما يهدف إلى تعزيز سياسة الهجرة في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك على الحدود الغربية مع ألمانيا. لكنه يتعرض لانتقادات من قبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وعدة منظمات حقوقية.

كتب الرئيس البولندي أندريه دودا في مذكرة موجهة إلى رئيس الحكومة بعد توقيعه تعديلا على قانون اللجوء في بولندا: “قضية أمن المواطنين البولنديين، وحماية حدود جمهورية بولندا، ودعم الجنود والضباط البولنديين، هي أولوية رئاستي”.

القانون الجديد يتيح لبولندا تعليق الحق في طلب اللجوء لمدة 60 يوما في كل مرة. وقد واجه هذا القانون انتقادات من منظمات حقوق الإنسان، بما في ذلك المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وأشارت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في بيان صدر في فبراير /شباط أثناء التصويت على القانون، إلى أن فترات التعليق هذه يمكن تمديدها بموافقة برلمانية محددة، “وتجديدها إلى أجل غير مسمى”.

بالمقابل قالت السلطات البولندية إن النشاط على الحدود قد ازداد مجددا خلال العام الماضي، وأعربت عن قلقها من احتمال “اقتحام” الحدود من قِبل مجموعات كبيرة من المهاجرين. وفي الصيف الماضي، قُتل جندي بولندي أثناء دورية حدودية، فيما تفيد منظمات حقوقية بأن نحو 100 مهاجر لقوا حتفهم في المنطقة الحدودية بين بيلاروسيا وبولندا منذ عام 2021.

“الأمور تسير على ما يرام”

ومباشرة بعد توقيع القانون، أعلن حرس الحدود البولندية عبر منصة “إكس” أنه سجل أكثر من 620 محاولة عبور للحدود من بيلاروسيا بين 28 و30 مارس/ آذار. وكتبت إدارة حرس الحدود أن “جميع المحاولات تقريبا تم إحباطها”، مضيفة أن “ثلاثة أشخاص تم توقيفهم بتهمة المساعدة والتحريض”، و”يجري اتخاذ إجراءات بحق 15 شخصا بغرض القبض عليهم”. كما أوضحت أنه تم تقديم المساعدة لشخصين، وأن “مركبة تابعة لحرس الحدود تعرضت لأضرار”.

بدوره قال ماشي دودشِك، الباحث في شؤون الهجرة ونائب وزير الداخلية والإدارة، على منصة “إكس” في 30 مارس/ آذار بأنه يعتقد أن القانون الجديد “يعمل بشكل جيد جدا”. وادعى أن “طلبات اللجوء المقدمة مؤخرا من مواطنين من إريتريا والصومال وغينيا لم تُقبل”.

القانون يتعارض مع التزامات بولندا الدولية

في شباط/ فبراير، أثناء تصويت البرلمان على مشروع القانون، حذّرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من أن هذا النوع من التعليق لا يتوافق مع القانون الدولي ولا مع قانون اللجوء الأوروبي. بدوره وجه مفوض حقوق الإنسان في بولندا مارتشين فياتشيك رسالة إلى دودا أثناء دراسته توقيع القانون، ووفقا لتقرير صحيفة “نوتس فروم بولاند”، فقد طلب من دودا أن ينظر فيما إذا كان “هذا التشريع يثير مخاوف جوهرية بشأن توافقه مع دستور جمهورية بولندا، وكذلك مع القانون الدولي”.

كما دعت منظمة هيومن رايتس ووتش في شباط/ فبراير الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ إجراءات قانونية ضد بولندا بشأن تنفيذ هذا القانون. وقالت المنظمة في ذلك الوقت إن القانون “يتعارض تمامًا مع التزامات بولندا الدولية ومع التزاماتها ضمن الاتحاد الأوروبي”.

وذكّرت المنظمة بولندا بأنها – وبما أنها تتولى حاليًا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي – ينبغي أن “تقود بالقدوة، وتضمن أن يحصل الأشخاص الفارّون من الحروب والاضطهاد على فرصة لتقييم طلبات لجوئهم بشكل فردي”، بحسب ما قالت ليديا غال، الباحثة في شؤون أوروبا وآسيا الوسطى في منظمة هيومن رايتس ووتش في 19 شباط/ فبراير.

وبحسب هيومن رايتس ووتش، فإن مشروع القانون “يهدد بإضفاء طابع رسمي على عمليات الإرجاع القسري وغير القانونية والمسيئة التي تجري حاليا على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا”.

وأضافت المنظمة أن إقرار القانون قد “يعرض الأشخاص لانتهاكات وظروف غير إنسانية في بيلاروسيا، في خرق لمبدأ عدم الإعادة القسرية، الذي يحظر إعادة أي شخص إلى بلد قد يتعرض فيه للتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية أو المهينة”.

دودا ينصح بـ “اتخاذ تدابير فعالة”

وقّع الرئيس أندريه دودا على القانون في 26 آذار/ مارس، بعد فترة وجيزة من إقراره في غرفتي البرلمان. وقبل أن يصبح رئيسًا، كان دودا عضوا في حزب القانون والعدالة المعارض حاليا. وكان بعض أعضاء الحكومة الحالية، بقيادة الحزب الليبرالي بزعامة دونالد توسك، قد أعربوا عن قلقهم من أن الرئيس يتأخر في توقيع القانون “لأسباب سياسية”.

لكن في بيان صحفي صادر عن الرئاسة، دعا دودا رئيس الوزراء دونالد توسك إلى اتخاذ “تدابير فعالة لحماية الحدود البولندية” الآن بعد توقيع القانون. وأشار البيان إلى أن هذه التدابير الفعالة لا تقتصر فقط على الحدود مع بيلاروسيا، بل تشمل أيضا “حماية الحدود الغربية، بما في ذلك التصدي لعمليات نقل المهاجرين إلى بولندا من قبل السلطات الألمانية”.

وكان توسك قد وعد، بحسب ما نقلت هيئة الإذاعة البريطانية BBC الأسبوع الماضي، بأن القانون سيُطبق “دون أي تأخير”.

توتر متصاعد على الحدود مع ألمانيا

ألمانيا لا تزال تجري محادثات لتشكيل حكومة ائتلافية جديدة بعد الانتخابات التي جرت في نهاية شباط/ فبراير من هذا العام. ومع ذلك، فقد صرّح المستشار المفترض القادم فريدريش ميرتس، زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي المحافظ، بأنه يأمل أن تتمكن ألمانيا من “العمل مع جيرانها” (بما في ذلك بولندا) لإعادة المهاجرين الذين سبق تسجيلهم في دول أوروبية أخرى قبل وصولهم إلى ألمانيا.

وبدأت ألمانيا بإنشاء ما يُعرف بـ “مراكز دبلن”، نسبة إلى لائحة الاتحاد الأوروبي التي تسمح للدول الأعضاء بإعادة طالبي اللجوء إلى الدولة التي سُجّلوا فيها أولا. وتهدف هذه المراكز إلى تسريع عملية إعادة من يُعرفون بـ”حالات دبلن”. وتم افتتاح أول مركز في آذار/ مارس بولاية براندنبورغ، على الحدود الألمانية مع بولندا.

في رسالته إلى توسك، كتب الرئيس دودا: “السيد رئيس الوزراء، أطلب منك أن تُظهر بعض الشجاعة في تعاملك مع السلطات الألمانية”.

مئات الأشخاص، أغلبهم من جماعات يمينية، تظاهروا على الحدود البولندية مع ألمانيا احتجاجا على مطالبة بولندا باستعادة مهاجرين من جارتها. وقال أحد منظمي الحدث إن الاتحاد الأوروبي وألمانيا يسعيان إلى “تدمير الأمة البولندية” من خلال إعادة إرسال المهاجرين إليها.

“الألمان يعتقدون أنهم يستطيعون فعل ما يشاؤون”

زعيم حزب القانون والعدالة المعارض في بولندا، ياروسلاف كاتشينسكي، كرر هذه التصريحات في عطلة نهاية الأسبوع، بحسب ما نقلته وكالة الأناضول التركية. وأثناء وقوفه على جسر حدودي بين بولندا وألمانيا، صرّح كاتشينسكي قائلا: “الألمان يعتقدون أنهم يستطيعون فعل ما يريدون”.

وأضاف كاتشينسكي أن الشرطة الألمانية “تُرى من الحدود الغربية”، وأنهم “يدخلون إلى أراضينا”، مؤكدا أنه “يجب فعل كل شيء لتغيير هذا الوضع”، مدعيا أن “في ألمانيا لا تزال تنهج خطابا معاديا للبولنديين”.

أضاف دودا أن “هذه التحديات -المتعلقة بالحدود- توحّد اليوم جميع مراكز السلطة وكامل المشهد السياسي.” وقال دودا إنه قبل توليه السلطة، كان توسك وبعض أعضاء مجموعته “يعارضون بشكل قاطع، من بين أمور أخرى، بناء حاجز على الحدود الشرقية، وإعلان حالة الطوارئ في أجزاء من منطقتي بودلاسكي ولوبلين، أو اعتماد لوائح تعزز حماية حدود الدولة.”

استثناءات من القانون

منذ توليه الحكم في عام 2024، احتفظ توسك بمعظم تدابير حماية الحدود ومكافحة الهجرة التي أُقرت في عهد حكومة حزب القانون والعدالة السابقة.

القانون الجديد يتضمن استثناءات للأشخاص المستضعفين، بمن فيهم الأطفال غير المصحوبين، والنساء الحوامل، وأولئك الذين يحتاجون إلى علاج خاص بسبب العمر أو الحالة الصحية. كما يشمل أي مواطن بيلاروسي يمكنه إثبات أنه سيكون معرضا لـ “خطر كبير” في حال إعادته إلى بيلاروسيا.

وبحسب منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن “المذكرة التفسيرية لمشروع القانون” نصّت على أن “حرس الحدود هم من سيقيّمون من يستوفي شروط الاستثناءات”. لكن المنظمة تشير إلى أن حرس الحدود “ليسوا مدرّبين أو مجهزين لاتخاذ مثل هذه القرارات، والتي ينبغي أن تتولاها دائرة الأجانب في بولندا”.

حتى قبل دخول القانون حيّز التنفيذ، أفاد مهاجرون لمنظمات حقوقية تعمل ميدانيا أن حرس الحدود البولنديين تجاهلوا طلباتهم للحصول على اللجوء.

عمليات صد غير قانونية على الحدود؟

القضية يصعب التحقيق فيها، نظرا لوجود منطقة عازلة تعمل بالفعل على بعض أجزاء الحدود، تمنع الصحفيين ومنظمات حقوق الإنسان من دخول المناطق الأقرب إلى الحدود مع بيلاروسيا. بدورها اتهمت هيومن رايتس ووتش، بالإضافة إلى تقرير حديث صادر عن منظمات من بينها أوكسفام، السلطات البولندية بتنفيذ “عمليات صد غير قانونية ومسيئة” على الحدود مع بيلاروسيا.

الحكومة البولندية تقول إن القانون ضروري بسبب “استخدام بيلاروسيا وروسيا للمهاجرين كأداة ضغط سياسية”.

وفي كانون الأول/ ديسمبر 2024، أكدت أبحاث هيومن رايتس ووتش أن “ديناميكيات الهجرة إلى بولندا قد تغيرت بالفعل، وأن كثيرًا من الأشخاص يسافرون أولًا إلى موسكو بتأشيرات سياحية أو دراسية، ثم يشقون طريقهم إلى بيلاروسيا ثم إلى الحدود البولندية”.

ذكرت الأبحاث أيضا أن المنظمة أجرت مقابلات مع 22 شخصا أبلغوا هيومن رايتس ووتش وأنهم أخبروا حرس الحدود البولنديين برغبتهم في طلب اللجوء، “لكن الحراس بدلا من اتباع الإجراءات القانونية، أخذوهم إلى السياج الحدودي ودفعوهم إلى بيلاروسيا”. وأضاف هؤلاء الأشخاص أن الحراس استخدموا ضدهم “رذاذ الفلفل، واعتدوا عليهم بطرق أخرى، وكسروا هواتفهم”.

تحت المجهر

في الرسالة الرئاسية التي نُشرت الأسبوع الماضي بعد توقيع القانون، طلب دودا من توسك توضيح ما يقوم به من أجل “منع الآثار السلبية الناتجة عن ميثاق اللجوء والهجرة التابع للاتحاد الأوروبي”. وكذلك “الحصول على تمويل من الاتحاد الأوروبي لتأمين الحدود الشرقية”، بحسب ما أفاد به موقع أن أف بي البولندي بي Notes from Poland.

أعلن توسك أن حكومته لن تلتزم بقواعد الاتحاد الأوروبي في الميثاق التي تُلزم بولندا باستعادة طالبي اللجوء من ألمانيا.

كما صرّحت حكومة توسك أن بولندا لا ترغب في قبول متطلبات إعادة التوزيع الواردة في ميثاق الاتحاد الأوروبي الجديد بشأن اللجوء والهجرة.

اتهم أعضاء حزب القانون والعدالة توسك بإصدار هذه التصريحات القوية قبل الانتخابات الرئاسية البولندية المتوقعة في 18 أيار/ مايو المقبل، وقالوا إنهم لا يعتقدون أنه سينفذ هذه الوعود بعد انتهاء الانتخابات، بحسب ما نقل موقع أن أف.

مهاجر نيوز 2025

إيما واليز

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *